تخصيص أرض البحر الأحمر لإصدار الصكوك السيادية..تفريط في أصول الدولة أم خطو نحو تحسين هيكل التمويل الحكومي؟

تسعى مصر في إطار خطتها الاقتصادية الجديدة إلى تعزيز الاستقرار المالي وتنويع مصادر التمويل من أجل تقليل الديون، ولقيت خطوة إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025، الذي ينص على تخصيص قطعة أرض واسعة بمحافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، استحسان العديد من الخبراء والمصرفيين.
وشدد اقتصاديون على أن نجاح هذه الخطوة يتطلب تحركاً موازياً من قبل الجهات الحكومية المعنية بجذب الاستثمارات حتى تتمكن من بناء مشروعات بقطاعات مختلفة مثل السياحة والطاقة والصناعة، ما يساعد على جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتوليد عائدات، تسهم في سد عائد إصدار الصكوك وتغطية قيمة الإصدار عند حلول موعد استحقاقه.

دلالات القرار الرسمي بتخصيص قطة أرض بالبحر الأحمر للمالية
وبحسب ما نشر في الجريدة الرسمية، تبلغ مساحة الأرض المخصصة نحو 41,515.55 فدانًا، أي ما يعادل حوالي 174.4 مليون متر مربع، من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة.
أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025 بتخصيص قطعة أرض بمساحة 41515.55 فدان تقريبا تعادل 174399900م2 من المساحات المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في خفض الدين العام للدولة، وإصدار الصكوك السيادية، وفقا للقوانين والقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
ويهدف القرار إلى تمكين وزارة المالية من استخدام هذه المساحة لدعم جهود خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية، وفقًا للأطر القانونية والتنظيمية المعمول بها.
دعم أدوات الدين
يأتي هذا التحرك في إطار سياسة الدولة لتوفير أصول ملموسة تدعم أدوات الدين الجديدة، وفي مقدمتها الصكوك، بما يسهم في تعزيز الشفافية المالية وزيادة ثقة المستثمرين، إلى جانب تقليل تكلفة الاقتراض على المدى الطويل.
الصكوك السيادية.. أداة الحكومة لخفض الدين
وتعد الصكوك السيادية أحد الأدوات التمويلية الحديثة التي تعكف الحكومة المصرية على توسيع استخدامها، خاصة في ظل مساعيها لجذب استثمارات عربية ودولية.
وفي هذا السياق، ذكرت مصادر استثمارية أن مصر تجري محادثات مع كل من السعودية وقطر والكويت لجذب رؤوس أموال كبيرة خلال المرحلة المقبلة.
إصدار صكوك بقيمة ملياري دولار
وفي أبريل الماضي، صرح وزير المالية، أحمد كجوك، لوكالة رويترز، أن مصر تخطط لإصدار صكوك بقيمة ملياري دولار خلال عام 2025، ضمن خطة أوسع لتوسيع قاعدة المستثمرين وتنويع أدوات الدين.
وتسعى الحكومة المصرية إلى توسيع استخدام أدوات التمويل المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفي مقدمتها الصكوك السيادية، كجزء من استراتيجيتها لخفض الدين العام وتنويع مصادر التمويل وسط تحديات اقتصادية وضغوط مالية متزايدة.
يأتي هذا التوجه في وقت تواجه فيه مصر استحقاق سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار غدًا، وفقًا لبيانات وزارة المالية.
وتسعى الحكومة إلى الالتزام بسقف إصدارات الدين الدولي الذي لا يتجاوز 4 مليارات دولار خلال السنة المالية الجارية، بحسب ما أكده أحمد كجوك، وزير المالية.

الصكوك مقابل السندات.. ما الفارق؟
وتعد الصكوك السيادية أداة مالية تستند إلى أصول حقيقية، حيث تُستخدم لتمويل مشاريع بعينها وتكون مرتبطة بها، ما يمنحها طابعًا أكثر أمانًا للمستثمر مقارنة بالسندات، التي تُستخدم غالبًا لسد عجز الموازنة ولا تُربط بأصول محددة.
وبحسب أحدث بيانات البنك المركزي المصري، بلغ حجم الدين الخارجي لمصر نحو 155.093 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقارنة بـ155.204 مليار دولار في سبتمبر من العام نفسه، أي بتراجع طفيف.
وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 42.9% بنهاية ديسمبر، مقارنة بـ40.8% في سبتمبر، فيما بلغ متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي نحو 1293 دولارًا بنهاية 2024.
وأشار التقرير إلى أن مصر سددت ديونًا خارجية بقيمة 13.354 مليار دولار خلال الفترة من سبتمبر إلى ديسمبر 2024، موزعة بين 1.861 مليار دولار فوائد، و11.492 مليار دولار أقساطًا.
تأتي هذه الجهود ضمن رؤية أوسع للحكومة المصرية تهدف إلى تحقيق توازن مالي مستدام، وتقليل الاعتماد على أدوات الدين التقليدية، من خلال تنويع أدوات التمويل وتعزيز الشفافية، خاصة في ظل استمرار التحديات المرتبطة بالدين الخارجي واحتياجات التمويل في الأجل القصير.
من جهته، أوضح محمد عبد العال الخبير المصرفي، إن الأرض مملوكة للدولة، وتم تخصيصها وليس بيعها لوزارة المالية، ويعنى ذلك أن وزارة المالية لا يجوز لها بيع تلك الأرض حالياً، أو مستقبلاً، لأى جهة محلية أو خارجية، موضحا أن الغرض الأساسى من عملية التخصيص هو استخدام تلك الأرض فى خفض الدين العام للدولة، واصدار الصكوك السيادية وفقاً للقوانين والقواعد المعمول بها فى هذا الشأن.
ما قصة الصكوك السيادية الجديدة المزمع إصدارها قبل نهاية هذا العام وعلاقتها بتخصيص الأرض ؟
أكد الخبير المصرفي، أن الأمر ببساطة يستهدف إتاحة أرض مميزة يمكن لوزارة المالية استخدام عوائد استثمارها، فى استثمارات مباشرة أو استثمارات مشتقة عبر إصدار سندات سيادية تقوم باستخدام صافى عائداتها فى خفض عجز الموازنة والدين العام، فالصكوك السيادية هى أحد أنوآع الأوراق المالية التي تُستخدم في تمويل الاحتياجات المالية للمشروعات الاستثمارية القومية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً هى أحد مصادر تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، مثلها مثل السندات وأذون الخزانة ولكنها تختلف عنهما فى 3 اختلافات جوهرية.
ولفت إلي أن الصكوك تختلف عن السندات التقليدية بأنها لا تعتبر ديونًا على الدولة، وإنما تمثل ملكية شائعة جزئية في أصول أو مشاريع معينة، فالصكوك السيادية تضمنها أصول حقيقية. ( الارض وما سوف يشتق عليه من استثمارات ومشروعات )، بينما السندات تمثل ديونًا على الدولة، مع دفع فوائد ثابتة أو متغيرة عليها.
وأضاف محمد عبد العال، أن الصكوك السيادية تخضع للمضاربة وتتعرض للخسارة والربح، على عكس السندات التى تتحدد قيمة عائدها الثابت مسبقاً و يتم صرفه دوريا، أو فى نهاية أجل الورقة المالية مضافا أليه قيمة السند الإسمية دون زيادة أو نقصان، كما أن الصكوك السيادية تتوافق مع تطبيقات المعاملات وفقاً لمبادئ الشريعة، حيث يمكن أن تصدر فى شكل صكوك مضاربة، أو صكوك مرابحة، أو صكوك مشاركة، أو صكوك اجارة.
وأكد أن سوق الصكوك الإسلامية عالمياً، شهد نمواً مستدامًا خلال العامين الأخيرين ، مع تجاوز القيمة الإجمالية للأصول الإسلامية إلى ما يفوق ال 2 تريليون دولار، مسجلة معدل نمو سنوي مركب يقارب 16%، مع إصدار سنوي يتجاوز 200 مليار دولار.وأبرز الدول المصدرة: ماليزيا (حوالي 55% من السوق)، السعودية (20%)، الإمارات (10%)، إندونيسيا (5-7%). مع دخول دول أخرى إلى سوق الصكوك مؤخرا مثل تركيا ومصر، وتتركز اهم أنواع الصكوك الأكثر انتشارا فى الإجارة، المشاركة، والمضاربة
كم تبلغ ديون مصر؟
كشف البنك المركزي عن سداد مصر فوائد وأقساط ديون خارجية بقيمة 13.354 مليار دولار خلال الفترة من سبتمبر وحتى ديسمبر 2024.
وأضاف البنك المركزي في تقريره الشهري أن أعباء خدمة الدين تنقسم إلى 1.861 مليار دولار فوائد مدفوعة ، و11.492 مليار دولار أقساط مسددة.
وسجل الدين الخارجي لمصر 155.093 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024 مقابل 152.88 مليار دولار بنهاية يونيو 2024 .
وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 42.9% بنهاية النصف الأول من 2024/2025 ونحو 38.8% بنهاية يونيو 2024.
توقعات حجم ديون مصر
ومن المتوقع وصول الدين العام إلى 14.6 تريليون جنيه بنسبة 85% من الناتج المحلي ونموه إلى 16.5 تريليون جنيه خلال العام المالى المقبل مع تراجع حصته من الناتج المحلي الإجمالي إلى 81.1%. وتلتهم الأقساط وفوائد الدين خلال العام المالى المقبل نحو 50% من إجمالى المصروفات في الموازنة المقبلة والتى تقدر بنحو 4.6 تريليون جنيه، إذ أن 2.3 تريليون جنيه تقريبا تذهب لسداد الديون.
أحد الأدوات التى تعمل عليها وزارة المالية المصرية لخفض الدين العام، هي إصدار الصكوك السيادية، والتي تعني "أوراق مالية حكومية اسمية متساوية القيمة وقابلة للتداول تصدر لمدة محددة لا تجاوز 30 عاما وتمثل حصصا شائعة في حقوق منفعة الأصول وفقا لما تحدده نشرة الإصدار، وفقا للقانون رقم 138 لسنة 2021 "قانون الصكوك السيادية".
وقد تكون الأصول أموالاً ثابتة أو منقولة ملكاً للدولة أو حق انتفاع واستغلال للأصول، وهذه الصكوك تصدرها شركة مساهمة مصرية مملوكة بالكامل للجهة المصدرة وهي ذات غرض وحيد هو إصدار الصكوك السيادية.
صكوك وسندات حكومية لسداد الديونوفي هذا الإطار مصر تعتزم إصدار صكوك بمليار دولار لصالح الكويت، وقال أحد المسؤولين، في تصريحات لبلومبرج، إن مصر انتهت بالفعل من أغلب الترتيبات الفنية والإجرائية الخاصة بهذا الطرح الخاص. وقال: “الصكوك سيتم إصدارها لأجل ثلاث سنوات بعائد نصف سنوي”.
كانت مصر أصدرت أول صكوك سيادية في تاريخها عام 2023 بقيمة 1.5 مليار دولار، وجذبت طلبات بقيمة 6.1 مليار دولار، أي بمعدل تجاوز أربعة أضعاف.
يأتي هذا الإصدار في الوقت الذي ستقوم فيه الحكومة المصرية اليوم الأربعاء بسداد أصل سندات قيمتها 1.5 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة المالية.
عيّنت مصر خمسة بنوك، من بينها ثلاثة خليجية، للقيام بدور الوسيط المالي والمستشار الرئيسي في عملية إصدار الصكوك. تضم قائمة البنوك “إتش إس بي سي” (HSBC) و”سيتي بنك”، إلى جانب ثلاثة بنوك خليجية هي “بنك دبي الإسلامي”، و”بنك أبوظبي الأول”، و”مصرف أبوظبي الإسلامي”.
تلتزم مصر بعدم تجاوز إصداراتها من الدين الدولي أربعة مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي هذا الشهر، بحسب ما صرّح به وزير المالية المصري أحمد كجوك، خلال مقابلة مع “الشرق” على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية الأخير.