اقتصاد الحرب.. من الرابحون والخاسرون من صراع إيران وإسرائيل؟

مع انقضاء الأسبوع الأول من الحرب بين إسرائيل وإيران، تعيش الأسواق العالمية والعربية حالة من الترقب والارتباك، حيث تحولت حركة البورصات، وأسعار السلع والنفط، بل وحتى توجهات المستثمرين، إلى رهائن يومية للتطورات الميدانية والدبلوماسية. في ظل هذا المشهد المتأزم، أعاد "اقتصاد الحرب" رسم خريطة أولويات الأسواق، في وقتٍ يشهد فيه العالم تحولات سريعة نحو الأصول الآمنة، وقفزات في تكاليف التأمين، وسط مخاوف من اضطرابات أوسع في سلاسل التوريد العالمية.

الرابحون في خضم التصعيد

1. النفط والغاز: قفزات حادة وتحذيرات من موجات صعود أكبر

سجّلت أسعار النفط ارتفاعات قوية منذ لحظة اندلاع المواجهة، إذ ارتفع خام برنت بنسبة بلغت 13%، متجاوزًا حاجز 78 دولارًا للبرميل. وفي ظل ترقب السوق لأي مؤشرات سياسية أو عسكرية، تراوحت الأسعار خلال الأسبوع بين 77 و78 دولارًا، متأثرة بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن تأجيل قرار ضرب إيران لأسبوعين، ما خفف من وطأة المخاوف.

لكن مؤسسات مالية كبرى حذّرت من سيناريوهات تصعيدية، حيث رجّحت وكالة "فيتش ريتينغز" أن إغلاق مضيق هرمز أو توسيع رقعة الحرب قد يدفع أسعار النفط إلى قفزات طويلة الأمد. وأشار بنك "سيتي غروب" إلى إمكانية وصول برميل برنت إلى 90 دولارًا إذا تعطلت الملاحة في المضيق الذي يمر عبره نحو سدس إنتاج النفط العالمي.

2. أسهم شركات الطاقة: صعود ملحوظ مع زيادة التوقعات الربحية

استفادت شركات الطاقة من ارتفاع الأسعار، فسجّلت أسهم "شل" البريطانية ارتفاعًا بنسبة 1.7%، و"بي بي" (BP) بنحو 1.3%. أما في آسيا، فحققت أسهم "أويل إنديا" و"ONGC" مكاسب قريبة من 3%، بفضل التوقعات بتحسن هوامش التكرير وزيادة الإيرادات الفصلية.

وأظهرت بيانات "بلومبرغ" تداول عقود شراء لخام برنت بأسعار تفوق 80 دولارًا للبرميل لشهر أغسطس، بل وتم تداول عقود تتخطى 100 و101 دولار، ما يعكس توقعات المستثمرين باحتمال تصعيد طويل الأمد.

3. الذهب والمعادن الثمينة: الهروب الكبير إلى الملاذ الآمن

قفزت أسعار الذهب بنسبة 1.6% لتصل إلى 3457 دولارًا للأونصة، وظل المعدن الأصفر يحوم فوق 3400 دولار خلال الأيام الأولى من الحرب. وعلى الرغم من تراجع السعر إلى 3370 دولارًا اليوم، فإن التوترات الجيوسياسية وقرارات البنوك المركزية بالحفاظ على المعدلات الفائدة تدعم استمرار الطلب على الذهب.

ويتوقع محللو "يو بي إس" و"ساكسو بنك" استمرار صعود الذهب في حال استمر الصراع، مع تأكيد "رويترز" أن هذا الاتجاه قد يتعزز في 2025.

4. الصناعات الدفاعية: طلب متزايد وأسهم في صعود

شهدت أسهم شركات الدفاع الأميركية مثل "لوكهيد مارتن"، "آر تي إكس"، و"نورثروب غرومان" ارتفاعات تجاوزت 3%، بينما صعد سهم "جنرال دايناميكس" بفعل الاهتمام المتزايد بمنصاتها الدفاعية.

في أوروبا، قفز سهم "راينميتال" الألمانية بأكثر من 5%، كما لاقت "بي إيه إي سيستمز" البريطانية اهتمامًا استثماريًا متزايدًا وسط توقّعات بعقود تسليح جديدة مع دول في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.

5. الشحن والتأمين: ارتفاع في التكاليف والأسعار والأسهم

أدّت الضربات الجوية المتبادلة إلى قفز أسعار الشحن الآجلة بنسبة 15%، وارتفعت أسهم شركات نقل النفط مثل "فرونتلاين" و"كوسكو" بنسب تراوحت بين 5% و7.9%. ووفق "رويترز"، ارتفعت أقساط التأمين على شحنات النفط بين 3 و8 دولارات للبرميل، مع تحذيرات من استمرار هذه الزيادات حال استهداف منشآت حيوية.

6. الدولار والعملات المرتبطة بالطاقة: قوة في وجه العاصفة

ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.5%، مستفيدًا من حالة عدم اليقين، كما دعمت أسعار النفط المرتفعة عملات مثل الكرونة النرويجية والدولار الكندي.

الخاسرون: تراجعات حادة ومخاوف متزايدة

1. أسواق الأسهم: خسائر في الخليج ومصر والأسواق العالمية

سجل المؤشر السعودي "تاسي" خسائر أسبوعية بلغت 2.1%، ومؤشر "EGX30" في مصر هبوطًا بنسبة 4.6%، وهو أسوأ أداء منذ أكثر من عام. أما مؤشر "MSCI" الخليجي، فقد انخفض بنسبة 3.7%.

على الصعيد العالمي، تراجعت العقود الآجلة لمؤشر "S&P 500" بنسبة 0.3%، وتحرّكت الأسهم الآسيوية ضمن نطاقات ضيقة.

2. البنوك الإقليمية: ضغوط كبيرة وسط عزوف المستثمرين

تراجعت أسهم بنوك كبرى مثل "الراجحي" بنسبة 1.5%، و"الأهلي السعودي" بـ3.1%، بينما خسر سهم "بنك قطر الوطني" نحو 4.2%. كما هبطت أسهم "التجاري الدولي" و"هيرمس" في مصر.

3. قطاع الطيران: خسائر فادحة وإغلاق أجواء

فقدت شركة "طيران الجزيرة" الكويتية نحو 18.4% من قيمتها، وتراجعت "العربية للطيران" بنسبة 10% بعد تعليق الرحلات. أما على الصعيد العالمي، فتراجعت أسهم شركات كبرى مثل "دلتا"، "يونايتد"، و"لوفتهانزا" بين 3% و5%.

أكثر من 650 رحلة تم إلغاؤها أو تغيير مسارها، ما تسبب بارتفاع تكاليف التشغيل بشكل ملحوظ.

4. السياحة: حالة من الشلل وتزايد الإلغاءات

رفعت بريطانيا تحذيرات السفر إلى "المستوى الأحمر" لكل من إسرائيل وإيران. وتشير التقارير إلى وجود أكثر من 40 ألف سائح عالقين في إسرائيل. كما سجلت شركات سياحة مصرية معدلات إلغاء تجاوزت 10%، وتوقف شبه كامل في الحجوزات الجديدة.

5. السلع الاستهلاكية والسيارات: انكماش في الإنفاق وقلق من التوريد

تراجعت أسهم "تارجت"، "نايكي"، و"بيست باي" بنسب تراوحت بين 1% و5%. كما انخفضت أسهم "فورد" و"جنرال موتورز" نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والمخاوف من تعطل سلاسل الإمداد.

بين الرابح والخاسر: القطاعات المتقلبة

العملات المشفرة: تقلبات سريعة وتعافٍ جزئي

انخفضت عملة "بتكوين" إلى أقل من 103,000 دولار، قبل أن تتعافى لاحقًا إلى 106,800 دولار. وتوقعت تقارير مثل "بارونز" استمرار التعافي في حال عدم توسع نطاق الحرب.

السندات الأمريكية: تحركات محدودة وسط الحذر

تحركت عائدات سندات الخزانة الأميركية ضمن نطاق ضيق، فبلغت عائدات سندات العشر سنوات 4.40%، مقابل 3.96% لسندات السنتين و4.90% لسندات الثلاثين سنة، وسط ترقب لقرارات الفيدرالي والتضخم.

هل هذه التحركات لحظية أم بداية لتحوّل طويل؟

تؤكد "فاينانشال تايمز" أن ردود أفعال الأسواق غالبًا ما تكون مؤقتة، ما لم يتسع نطاق الصراع أو يتم إغلاق مضائق حيوية مثل هرمز. وبحسب الصحيفة، فإن أسعار النفط قد تعود سريعًا إلى مستويات ما قبل الحرب، ما لم تحدث انقطاعات فعلية في الإمداد.

يذكر أن الحرب بين إسرائيل وإيران أعادت رسم خريطة الأسواق خلال أسبوع واحد فقط. وبينما تتجه رؤوس الأموال نحو الملاذات الآمنة، فإن الخسائر المتوقعة في قطاعات السفر والطيران والبنوك قد تتسع أكثر حال استمرار التصعيد. الأسواق العالمية إذًا على مفترق طرق، والسيناريوهات المقبلة مرهونة بما إذا كان الصراع سيتوقف عند هذا الحد، أم سيمتد ليشمل المنطقة بأكملها.

يمين الصفحة
شمال الصفحة