
چرمين عامر – عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
مشهد ساخر من مسلسل "الكبير أوي"، عندما دخل وفد رسمي يمثل لجنة أخلاقيات الإعلام، على الفنان أحمد مكي، وبدأوا في قراءة قواعد المشاركة في مسابقة قرية المزاريطة وكانت كالتالي: ممنوع المزاح اللي يسيء، ممنوع الكلام العشوائي، لازم كل كلمة تبقى بحساب ومسئولية.
فما كان من الكبير أوي !! إلا أن أطلق تعليق بطريقته الساخرة: "هو أنا كده .. مش هعرف أقول كلمتين من قلبي" لينتهي المشهد بضحك هستيري من الجمهور.
لكن خلف هذا الضحك !! هناك رسالة عميقة، صدرت للجمهور .. أعيد بها إحياء جدل عتيق لجموع المفكرين والمثقفين بين حرية الإبداع .. وضوابط منع الفوضى.
ليطل علينا السؤال الأهم !!
والذي يعكس إشكالية الواقع الحالي لبعض المؤثرين، وإرهاصات بلوغ سن الرشد، وتحمل المسئولية المهنية والأخلاقية، هل يمكن أن يجتمع الإبداع مع المسئولية على مائدة واحدة دون أن يخسر أي منهما بريقه ؟!!
فسوق اقتصاد المحتوى وإعلام المؤثرين يمثل قوة إقتصادية متنامية. لأنه ببساطة .. يتحكم في قرارات ملايين المستهلكين حول العالم، ويشكل توجهاتهم وسلوكياتهم، وتؤكد تلك الأرقام والمؤشرات لموقع Statista، والتي تؤكد أن اقتصاد المحتوى وصل إلى نحو 33 مليار دولار أمريكي هذا العام 2025 .ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 121.81 مليار دولار عام 2030 وفقًا لموقعMordor Intelligence . كذلك متوقع له أن يتخطى 1.35 ترليون دولار وفقا لموقع Grand View Research بحلول عام 2033.
معادلة اقتصادية .. سوق ينمو بوتيرة متسارعة، وأدوات تسويقية لمؤثرين وصناع المحتوى في طور التطوير، لم تصل بعد لمرحلة النضج. تحتاج إلى ميثاق شرف مهني وأخلاقي يكون بمثابة الجسر الذهبي لتحقيق التوازن بين حرية الإبداع ونفوذ المؤثرين ومتطلبات الشفافية والإفصاح لصالح الجمهور.
وقد أثبتت التجارب العالمية، نجاح هذه القواعد في تنظيم سوق اقتصاد المحتوى بداية من معايير هيئة الإعلان البريطانية ASA . والتي ألزمت المؤثرين وصناع المحتوى بضرورة وضع تصنيف (إعلان / هدية) مدفوعة من قبل العلامة التجارية على المحتوى المنشور. كذلك لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة FIC، والتي ألزمت الشركات التجارية بضرورة الإفصاح. ثم جاءت قواعد وإرشادات هيئة المنافسة والمستهلك الأسترالية (ACCC) بضرورة الإفصاح عند القيام بأي حملات مع إطلاق حملات دورية لتوعية المستهلكين. كذلك سنت قوانين البرلمان الفرنسي والمديرية العامة للمنافسة والاستهلاك ومكافحة الغش عام 2023 قانونًا عرف المؤثرين وألزمهم بالكشف عن المحتوى المدفوع. وصولا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والتي حولت نشاط الأنفلونسر وصناع المحتوى إلى مهنة تستلزم الحصول على ترخيص لممارستها.
وحتى .. لا نظل ندور في نفس الإشكالية .. بين تقييد حرية الإبداع والألتزام بقواعد الميثاق علينا أن ندرك تمامًا أن الميثاق المهني والأخلاقي للمؤثرين وصناع المحتوى، لن يحد من حرية الإبداع، بل على العكس، سيرفع من قيمة التأثير ويمنحه شرعية مهنية. لأنه سيضع أسسا لعملية الإفصاح عن الإعلانات. مما يضمن وضوح العلاقة بين المؤثر والعلامة التجارية والجمهور. الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على المتابع بأن المحتوى الذي يتلقاه موثوق فيه وخالي من الالتباس أو التضليل.
والنتيجة هي سوق أكثر نضجا، ومجتمع أكثر وعيا، واقتصاد يتنفس ثقة واستدامة للجمهور والمسوقين والشركات التجارية وصناع القرار.