يشكل الحضور الفاعل للمرأة المصرية في الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي يختتم اليوم "الاثنين" ملحمة تعزز ثقافة المشاركة الوطنية والتعبير بحرية عن الإرادة الشعبية.
فعلى امتداد خارطة الوطن جاء الحضور النسائي في لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال اليومين الماضيين لافتا إلى حجم الإقبال الكبير والحماس المفعم بالمشاعر الوطنية والطقوس المبهجة في مشاهد تعيد للأذهان الدور التاريخي للمرأة المصرية في ثورة 30 يونيو 2013 من أجل مصر ودفاعا عن هويتها وثقافتها.
ووفقا لما أعلنه المتحدث باسم الهيئة الوطنية للانتخابات المستشار محمود حلمي الشريف في مؤتمر صحفي امس الأول "السبت" بمقر الهيئة فإن عدد الإناث يقترب من نصف قاعدة بيانات الناخبين التي تضم 61 مليونا و344 ألفا و503 ناخبين.
وأشاد المجلس القومي للمرأة بإقبال المصريات على المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية فيما وجهت رئيسة المجلس الدكتورة مايا مرسي التحية على وجه الخصوص للسيدات المسنات والمريضات اللاتي حرصن رغم ظروف السن والمرض على المشاركة في الاستفتاء مما اظهر وجه مصر الحضاري المشرف أمام العالم.
وفيما يتفق علماء السياسة على أن مدى مشاركة المرأة فى العملية الانتخابية يرتبط بمستوى تطور المجتمع فى بنيته الاقتصادية والاجتماعية وبنيانه السياسي والثقافي فإن للمراقب أن يشعر بتفاؤل وهو يرى هذا الحضور النسائي اللافت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية والذي يشكل عرسا للديمقراطية وانتصارا للمستقبل الأفضل الذي يتطلب المشاركة الإيجابية من كل المواطنين.
وكان من الواضح أيضا لكل ذي عينين ذلك الحضور الكبير والمبهج للمرأة المصرية أثناء عملية استفتاء المصريين في الخارج على التعديلات الدستورية التي وافقت عليها الأغلبية في مجلس النواب بعد جلسات استماع عديدة عقدها المجلس طرحت فيها كل الآراء بحرية كاملة.
وبقدر ما برهن هذا الحضور المبهج للمرأة المصرية في الاستفتاء على التعديلات الدستورية على ما وقر فى الوجدان المصري والعربي من أن "النساء شقائق الرجال" فإنه يشكل لحظة تاريخية فريدة في بنية الثقافة السياسية المصرية فيما يبقى دالا على ممارسة المسؤولية الديمقراطية وقدرة المصريين على الوفاء باستحقاقات دولتهم الوطنية الديمقراطية الحديثة.
وإذا كانت بعض الصحف ووسائل الإعلام قد أبرزت المشاركة الفاعلة والمفعمة بالحماس من جانب الكثير من الفنانات في الاستفتاء على التعديلات الدستورية فاللافت في هذا الاستفتاء مشاركة النساء على اختلاف شرائحها الاجتماعية ومستوياتها التعليمية بما يعكس إدراكا ووعيا بأهمية المشاركة في بناء المستقبل الأفضل.
وفي تقارير صحفية ومتلفزة اتفقت فنانات مثل نبيلة عبيد ويسرا وصابرين ونهال عنبر وساندرا نشأت ولبلبلة ورجاء الجداوي على أن المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية واجب وطني فيما كانت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم قد أشادت بالإقبال الجماهيري الكبير على لجان الاستفتاء بينما أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي في تصريح صحفي على أن "المشاركة واجب وحق لكل المصريين".
وفيما يناقش محللون ومعلقون في الصحافة ووسائل الإعلام المصرية المسائل المتعلقة بالمشاركة الجماهيرية في الاستفتاء على التعديلات الدستورية فإن الحضور النسائي يبقى قضية هامة في سياق تعزيز مفاهيم المشاركة وفلسفة احترام خيارات الناخبين و"الثقة في شعب مصر وقدرته على الاختيار".
وإذ حرصت بعض السيدات على اصطحاب أطفالهن أثناء أداء هذا الواجب الوطني والحق السياسي وهو ما قد ينعكس إيجابا على تنمية الوعي الانتخابي وممارسة الحقوق السياسية للأبناء فإن المرأة المصرية قدمت أمثلة فذة للوطنية والارتباط بتراب مصر وتقديم فلذات الأكباد شهداء وفداء للوطن وبما يعيد للأذهان دورها الوطني والتحرري في كل المراحل الحاسمة عبر التاريخ.
ويؤكد دستور مصر على "المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية" كما تتضمن التعديلات الدستورية التي طرحت للاستفتاء نصا بتخصيص ما لا يقل عن ربع مجموع مقاعد مجلس النواب للمرأة وذلك تتويجا لدورها في الحياة البرلمانية المصرية العريقة.
ويتفق خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية على أن هذا التعديل الإيجابي الذي يقضي بزيادة الحضور النسائي في الحياة البرلمانية المصرية يعزز مفاهيم الديمقراطية التشاركية والتي أصبحت ضمن المفاهيم الجديدة للمجتمعات المعاصرة لضمان مشاركة كل الفئات بصورة عادلة في أوجه الحياة العامة.
ومن ثم فإن الإقبال اللافت للمرأة المصرية للمشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية يؤشر بوضوح لجدارتها بأدوار مهمة في سياق عملية الإصلاح السياسي ومسيرة التنمية الشاملة بقدر ما يعزز هذا الحضور النسائي ثقافة المشاركة الوطنية ودعم الاستقرار وسط بيئة إقليمية تعاني من عدم الاستقرار ومخاطر الإرهاب ومشهد عالمي حافل بالمتغيرات.
وواقع الحال أن اهتمامات وتطلعات النساء في مصر ليست بعيدة أو منفصلة عن هموم واهتمامات وتطلعات الرجال على امتداد الوطن فيما كان آباء ثقافيون مصريون مثل عميد الأدب العربي طه حسين والأديب النوبلي نجيب محفوظ والعالم التربوي حامد عمار من كبار المدافعين عن حقوق المرأة وفي مقدمتها الحق في التعليم باعتباره الطريق للنهضة الحقة.
وبرؤية ثقافية شاملة بعيدا عن "الخطابات النسوية التقليدية والتي تفصل بحدة ما بين قضايا النساء والرجال" تربط رئيس المجلس القومي للمرأة مايا مرسي بين قضايا التنمية وحصول المرأة على حقوقها ومواجهة العنف والتطرف مؤكدة أن تغيير أوضاع المواطنين للأفضل سواء كانوا من الذكور أو الإناث مرتبط بجهود التنمية التي يشارك فيها الجميع سواء كانوا من الرجال أو النساء.
وكانت مصر قد أعلنت عام 2017 "كعام للمرأة" فيما تبقى "ثقافة تمكين المرأة" حاضرة بقوة وحفاوة في العقل الثقافي المصري وفي وقت مازالت فيه قضايا النساء مطروحة في كل الثقافات سعيا لعالم أكثر عدالة وإنسانية وتكافؤ الفرص بين الجميع بصرف النظر عن النوع أو اللون أو العرق.
وأشار مثقف مصري كبير وفقيه قانوني بارز ووزير سابق هو الدكتور مفيد شهاب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي إلى أهمية أن تتحول القوانين المنصفة للمرأة إلى "ثقافة" أي شعور وإحساس عام لدى الجميع في أوجه الحياة اليومية.
ولمصر تاريخها العريق في الدفاع عن حقوق المرأة وأسس الاتحاد النسائي المصري عام 1923 وبرزت أسماء ناشطات وطنيات على هذا الصعيد مثل هدى شعراوي وصفية زغلول، فيما شاركت المرأة المصرية بدور فاعل وكتبت صفحات مجيدة في ثورة الثلاثين من يونيو 2013.
وجاء الحضور النسائي اللافت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية فيما تتفق طروحات ودراسات ثقافية عديدة على أهمية دور المرأة في "دولة المواطنة" وأي مشروع حداثي لمصر جنبا إلى جنب مع دورها الحيوي "كحارس أصيل لمنظومة القيم المصرية".
وفي العرس الديمقراطي للاستفتاء على التعديلات الدستورية ها نحن شهود على الدور الفاعل للمرأة المصرية..ها نحن نشهد ملحمة وطنية جديدة وابتسامة الأمل لوطن نوره يبدد كل ظلام ويصنع بإرادة شعبه المعجزات والمدهشات..فما أعظمه من وطن وما أعظمه من شعب!.