عبدالناصر قطب
- القيادة المصرية اصطادت عشرات العصافير بحجر واحد .. والتنظيم الناجح كان نتاجا لجهد أكثر من عام لكل مؤسسات الدولة
- الرئيس أطلق رسائل مهمة لإنقاذ الأرض والقمة ارتبطت بندائه لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
- مصر تعاملت باحترافية مع محاولات إفساد المؤتمر والشوشرة عليه بدعوات التخريب وادعاءات نشطاء حقوقيين والرد المصري علي بيان مفوضية حقوق الإنسان كان حاسما وقويا
- قادة الولايات المتحدة يعترفون لمصر بمحورية دورها في مختلف القضايا .. والقاهرة تؤكد مجددا مواقفها الثابتة في قضايا سد النهضة وفلسطين
بمرور الأسبوع الأول علي انطلاق المؤتمر الدولي لتغير المناخ cop27 ، والذي تستضيفه مصر بمدينة شرم الشيخ ، وبمشاركة واسعة من دول العالم ومنظماته الدولية ، بات واضحا أن مصر كسبت الرهان ، ونجحت في تقديم تنظيم مبهر للمؤتمر الدولي وفعالياته ، بشكل دفع معظم المشاركين من مختلف دول العالم إلي الإشادة بالتنظيم ، الذي كشف عن حجم الجهد الذى استمر لأكثر من عام، وتجسد ليس فقط فى الحضور الكثيف، لكن أيضا فى التعهدات والتوقعات بتوصيات مرنة قابلة للتطبيق عمليا لمواجهة خطر يهدد الأرض والبشر فى حياتهم.
هوامش عدة علي دفتر الحدث المهم والتاريخي يمكن رصدها ، تأكيدا علي أن القيادة المصرية نجحت بمهارة في اصطياد عشرات العصافير بحجر القمة ، في مقدمتها كما قلنا التنظيم الجيد ، وثانيها ارتباط اسم مصر وقمة المناخ بها بالنداء الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي باسم كل شعوب الأرض لوقف الحرب الروسية الأوكرانية ، بسبب تأثيراتها المدمرة علي كوكب الأرض ، أما ثالثها فهو اجماع كل المشاركين علي ضرورة أن تكون قمة شرم الشيخ هي قمة التنفيذ لتعهدات الدول والمؤسسات الدولية الكبرى بشأن مواجهة تأثيرات تغير المناخ ، وأخيرا وليس آخرا نجاح مصر وقيادتها في اجهاض محاولات إفشال وإفساد المؤتمر الدولي ، وليس أدل علي ذلك من استضافة مصر لكبار قادة ومسئولي العالم وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي بايدن ، في وقت كان البعض يتوهم فيه أن مصر معرضة للفوضى بسبب دعوات التخريب والفوضى في 11 /11 والتي فشلت فشلا ذريعا .
تنظيم مبهر ومكاسب مصرية
النجاح الكبير لتنظيم قمة المناخ COP 27 بمدينة شرم الشيخ، هو نتاج عمل فترة طويلة جدا بالدولة المصرية، والمؤسسات التي تعمل بكامل قوتها منذ عام كامل وأكثر، بدأت منذ ما قبل القمة الماضية ، بفضل الجهد الذى قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي والدبلوماسية المصرية لوضع قضية التغير المناخي وحقوق القارة الافريقية موضع الاهتمام، حيث رفعت مصر صوت إفريقيا بشكل كبير جدا، وتم التوصل إلى اتفاق للدول النامية، والأفريقية ،ولعبت مصر دورا مهما في القمة السابقة في توضيح تهديد أزمة التغير المناخي ليطال الناتج المحلى للدول الأفريقية الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة، وتواجه ظاهرتا الجفاف والتصحر وتواجه مخاطر بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر، وفازت بتنظيم القمة بناء على التصورات الواقعية والتحركات الواسعة والمبادرات التي تم تنفيذها في الداخل ضمن استراتيجيات وفى الخارج على مستوى الدول والرؤساء. والحضور الكثيف للمنظمات الدولية والمناخية والأحزاب والتيارات المختلفة ومؤسسات التمويل.
وكان التنظيم المحترف للقمة الحالية، كاشفا عن الجهود التي تقف وراء هذا التنظيم، وأيضا القضايا والمبادرات التي تم طرحها بصورة تمكن من التوصل الى توصيات متوازنة ومرنة قابلة للتطبيق، فضلا عن طرح بدائل، من خلال تقديم الخيارات المتنوعة أمام دول العالم ومؤسسات التمويل. وتم تقديم تصورا يوسع من القدرة على الاستفادة العالمية من تمويلات المناخ، التي تتجاوز دعم التكيف بالنسبة للدول التي تمارس أنشطة ملوثة، الى دعم أنشطة التخفيف من تأثيرات التغير المناخي، ومنها مصر التي تستثمر منذ سنوات في الأنشطة الصديقة للبيئة في مجالات النقل والطاقة المتجددة وتنقية المياه.من خلال استراتيجية المناخ 2050، التي تنقسم إلى قطاعات النقل النظيف وتحلية المياه وتوليد الكهرباء من الرياح والشمس، والطاقة الخضراء، المشروعات لديها فجوة تمويلية يفترض توفيرها، وتأتى منصة «نُوَفِّى» التي تتضمن طرق توفير منح وتمويلات ميسرة ودعما فنيا للمشروعات، وهى متاحة للقطاع الخاص، وتتضمن مبادلة ديون من بين دورها.
وتعمل الدولة المصرية بإخلاص حقيقي، لقضية التغير المناخي، وسعت بشكل متوازن لإقناع الاطراف الفاعلة والدول الكبرى بتقديم تعهدات مهمة واستعداد للتعامل من خلال مسارات عملية لدعم مواجهة التغير المناخي ، من خلال دعم التكيف، وقبول الصيغة التى قدمتها مصر بالبدائل للتخفيف والتفاعل ، أما مكاسب القمة ، فهي مكاسب لأفريقيا ومصر فى تعهدات تحرك التقاعس السابق تجاه تنفيذ التعهدات .
وقد أعلنت مصر مبكرا عن الاستراتيجية الوطنية لمواجهة تغير المناخ» والتى أكد الرئيس ان الدولة تعمل بدأب على الإسراع من وتيرة التحول الأخضر والبرنامج الوطني للاستثمار فى مشروعات المياه والطاقة والغذاء «نوفى»، لتعزيز الاستثمارات الخضراء، واقترح الإعلان عن المزيد من المساهمات المحددة وطنيا ورفع طموح الاستراتيجيات لخفض الانبعاثات وإطلاق مبادرات طموحة وفعالة تجمع كل الفاعلين حول أهداف واضحة فى التكيف والتمويل، وان ما تشهده مصر اليوم، من تحول نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الانبعاثات، فى كل المجالات هو ترجمة عملية لما نادت به ، من ضرورة التنفيذ الفعلي على الأرض وخير دليل على أن الأمل فى التغلب على تحدى تغير المناخ، لا يزال قائما، إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة ، وهو امر يدخل في فتح باب مرن لكى تقدم الدول الصناعية تعهداتها.
وبجانب هذه المكاسب العملية فإن نجاح التنظيم ، هو شهادة للدولة ولشباب البرنامج الرئاسي للتدريب بما يؤكد بعد نظر الرهان عليهم من قبل الرئيس السيسي والدولة، وهؤلاء يمكن ان يكونوا قاعدة لمضاعفة اعداد وكوادر ادارية مهمة وواجهة مشرفة للدولة ، فينا يتعلق بعمل الفريق والسعى معا. ويمكنهم ان يدربوا كوادر اخرى تضع الشباب فى مكانهم المناسب.
هناك مكاسب أخري أيضا ، تتمثل في أن المؤتمر قدم دعاية سياحية لا تقدر بمال لشرم الشيخ ومصر، بجانب العوائد المباشرة ، وهو أمر يتوقع أن توظفه المؤسسات السياحية بالقدر الذى يجعل العوائد متناسبة مع الامكانات الضخمة، وربما يكون قطاع السياحة بحاجة لدراسة التجربة والتفاعل معها داخليا وخارجيا، وليس فقط الجهات الرسمية لكن كل الجهات التي تعمل وتستثمر فى السياحة ، وأيضا فيما يتعلق بسياحة المؤتمرات الدولية الكبرى ، تنظيما وتنفيذا.
مصر فازت بتنظيمها هذا المؤتمر برصيد إضافي من الثقة الدولية والإقليمية، بجانب الرصيد السابق، بفضل قدرتها على تقديم نموذج متوازن ومخلص أمام العالم، وهو نموذج اطاح بأوهام ورهانات فاشلة فى عدم قدرة الدولة المصرية علي القيام بتلك المهمة .
نداء القمة
خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام قمة المناخ كانت هناك الكثير من الرسائل الهامة لإنقاذ الأرض من الحرب والتلوث، وأن الكرة الأرضية تواجه خطرا حقيقيا، في ظل التغيرات المناخية والحرب مع ضرورة الانتقال من الوعود والكلام إلى الفعل وتحميل الدول الكبرى مسئولية التعاون لمواجهة تغيرات المناخ في ضوء مهمة إنقاذ الأرض، والدولة المصرية طرحت بدائل للحلول المطروحة في قمة المناخ لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، وهي مبادرات مصرية خالصة تتضمن كثير من البدائل بالنسبة للتمويلات والحلول، ومبادرة حياة كريمة أفريقيا.و تحميل الدول مسئوليتها والتحرك في هذا الأمر بطريقة مرنة، وهذه سياسة خارجية مصرية أثبتت نجاحها على مدى سنوات، وأنشطة الطاقة المتجددة والتحضر إلى الأخضر لا تساهم فقط في تخفيض الانبعاثات الحرارية ولكن ترفع أيضا من قيمة الجزء الإيجابي في هذا الأمر.
الرسالة الأهم والتي تلقفتها كل وسائل الإعلام حول العالم ، تمثلت في دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية، فى ظل الأزمة الكبيرة التى تواجه دول العالم، مشيرا إلى أنه يوجه نداء من مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ، "لوقف هذه الحرب التى تعانى منها الكثير من الدول"، ومنوها إلى أنه "مستعد للعمل على إنهاء هذه الحرب وإيقافها".
وقال الرئيس السيسي: "نحن كدول اقتصادها مش قوي.. عانت من تبعات كورونا وتحملناها والآن نعانى أيضا من هذه الحرب الروسية الأوكرانية.. أرجوكم أوقفوا هذه الحرب".
مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أطلقها من قمة المناخ العالمية من قلب مدينة السلام العالمية شرم الشيخ، لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، كانت بمثابة صيحة إيقاظ للمجتمع الدولي بجميع دوله ومنظماته، خاصة أن هذه المبادرة التاريخية للرئيس السيسي جاءت في أهم فعالية دولية (COP27) وأمام قادة العالم لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، ووضع حد لما خلفته من دمار وخراب وتبعات وتأثيرات طالت دول العالم بأكملها.
كما أن هذه المبادرة من الرئيس السيسي والتي فاجأ العالم كله بها لقيت تأييداً كبيراً من مختلف دول العالم ولكل الأطراف المنخرطة في الحرب الروسية الأوكرانية، لتعبر عن استعداد الدولة المصرية للدخول بكل إمكانياتها وثقلها وعلاقاتها المتميزة للعب دور وساطة، من أجل وقف نزيف الخسائر والحفاظ على بنية الأمن العالمي، من أجل ضمان عالم أفضل للشعوب التي تأثرت ودفعت أثمان باهظة لهذه الحرب.
ولعل التفاف دول العالم حول مبادرة الرئيس السيسي يرجع إلى مجموعة مهمة من الأسباب في مقدمتها الدور التاريخي والمحوري الذي تقوم به مصر بكل كفاءة واحترافية تجاه جميع القضايا الإقليمية والدولية، والسبب الثاني يتمثل في الرغبة الصادقة من الرئيس السيسي في إنهاء هذه الحرب بعد التداعيات السلبية والخطيرة التي تأثرت بها العديد من دول العالم بسبب هذه الحرب ، أما السبب الثالث فيتمثل في الثقة الكبيرة التي تحظى بها مصر من مختلف دول العالم، نظراً لمصداقيتها تجاه مختلف القضايا الاقليمية والدولية .
كما أن مبادرة الرئيس السيسي ألقت بالكرة في ملعب المجتمع الدولي بجميع دوله ومنظماته للإسراع في اتخاذ جميع الخطوات التنفيذية التي تكفل المساهمة الحقيقية فى تنفيذ مبادرة الرئيس السيسي، خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من تداعيات على مدار ثمانية أشهر مضت أصبحت تهديدًا وجوديًا للعالم بأسره، ولا تقل في تأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الأجيال الحالية ومستقبل الأجيال القادمة عن التهديدات الناجمة عن التغيرات المناخية .
بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ ، انطلقت دعوات مشبوهة تارة للتظاهر والتخريب ، وأخري بادعاءات بشأن حالة نشطاء ، أمرهم حسمه القضاء المصري بأحكام في قضايا جنائية ، وتعاملت المؤسسات المصرية والاجهزة المختلفة مع كل ذلك ، باحترافية ودبلوماسية نجحت فى تقديم صورة مصر بطموحها، فى مواجهة جيوب توهمت أنها يمكن ان تلعب دورا ، وتمت اتاحة الفرصة لخصوم تعاملوا بعدائية وكراهية، وظهروا في صورة مضادة لدعواتهم حول حرية الرأي.
وظل خطاب الدولة المصرية واضحا على مدى شهور فيما يتعلق بملفات حقوقية، تجسدت في مبادرة الحوار الوطني، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي باعتبار ذلك خيارا مصريا خالصا، يستجيب للداخل، ويرفض الخلط ويتمسك باستقلال القضاء والقرار واعتبار مفهوم مصر لحقوق الانسان شاملا لكل العناصر وان باب الحوار مفتوح داخل مصر، وليس خارجها ، وفي هذا الإطار خرج مئات من المحتجزين منذ اطلاق مبادرة الرئيس فى أبريل الماضي، لا يمكن لمنصف الا ان يعترف بانه وفاء بالوعد وانه يتم طبقا للدستور والقانون، وهنا مكسب مهم اساسه ان أبواب الحوار فى الداخل وان اصحاب المكيالين هم من يسئ لحقوق الانسان ويحولها لتجارة وربح وليس سياقا انسانيا، وهو ما تؤكد عليه الدولة، ويجهله من راهنوا على وهم التدخل خسروا الرهان وربحت مصر .
في قضية الناشط علاء عبد الفتاح تعاملت الأجهزة المصرية بكل احترافية كما قلنا ، فالناشط المذكور مثبت عليه دعواته الإجرامية لقتل ضباط الشرطة والجيش وترويع ذويهم ، ورغم ذلك سعي البعض للاستقواء بجنسيته الأجنبية التي يحملها للضغط علي الدولة المصرية وابتزازها ، وفي المقابل أصدرت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، بيانا أعلنت فيه رفضها للبيان الذي صدر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بخصوص حالة مواطن مصري تمت محاكمته وإدانته ويقضي عقوبته حاليا والدعوة للإفراج عنه.
وأكدت بعثة مصر أن مضمون بيان المفوضية، يقوض عن عمد استقلال القضاء وسيادة القانون كحجر زاوية لا غنى عنه لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، واعتبرت وصف قرار قضائي بأنه "غير عادل" إهانة غير مقبولة.
وقال بيان بعثة مصر "إن إصدار المفوض السامي لحقوق الإنسان هذا البيان ينتهك مبادئ الحياد والموضوعية المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة المنشئ لولايته ويعالج قضية فردية على أساس انتقائي، مما يزيد من الشك في موضوعيته ، وعلاوة على ذلك، يبدو أن المفوض السامي اعتمد على معلومات لا أساس لها مستمدة من مصادر تروج لمزاعم كاذبة".
وأضاف البيان: "حقيقة أن المفوض السامي يصدر بيانات نهائية مصورة على أنها حقائق دون أي دليل يقوض مصداقيته ومصداقية المؤسسة التي يمثلها نيابة عن المجتمع الدولي".
اختتمت البعثة بيانها بالقول "نتوقع من المفوض السامي، بصفته موظفا دوليا، أن يحترم ولايته وأن يظهر الاحتراف عند بدء فترة عمله والاعتماد فقط على مصادر المعلومات الموثوقة في المستقبل والامتناع عن التعليق على القضايا التي تمت محاكمتها أمام المحاكم المصرية والأحكام الصادرة في محاولة الدعوة لانتهاك القوانين الوطنية"، داعية المفوض السامي إلى التركيز على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها من خلال التعاون والحوار.
والحقيقة أن الرد المصري الرسمي على البيان الصادر المفوضية السامية لحقوق الإنسان بخصوص قضية الناشط علاء عبد الفتاح، والذي صدر عن بعثة مصر في الأمم المتحدة كان قويا وحاسما حمل العديد من الرسائل أهمها رفض الدولة المصرية الطعن في نزاهة و استقلالية القضاء ونزاهة القانون، وهو أمر يجعل من الحفاظ على الحقوق والحريات صعب تنفيذه رافضا التسييس الواضح لملف حقوق الإنسان.
وكشفت ملابسات هذه القضية وما جري في المؤتمر الصحفي الخاص بها خلال قمة المناخ ، أنه يجب على البرامج والهيئات التابعة للأمم المتحدة أن تلتزم الحياد في تناولها وطرحها لبعض القضايا الحقوقية التي تخص الدولة المصرية نتيجة لحساسيتها الشديدة، لما تحمله من وجهات نظر سياسية الهدف يقف وراؤه بعض أطراف الخلاف السياسي ويكون الهدف منها واضح وهو الإضرار بمصالح مصر وعلاقاتها بباقي الدول الأعضاء.
وبحسب متابعين وخبراء فإن ما حدث من خلاف شديد في الرأي ووجهات النظر في الجلسات الجانبية على هامش مؤتمر المناخ هو أمر ليس بجديد على الفعاليات التي تنظم تحت مظلة الأمم المتحدة، خاصة نشاطات المفوضية السامية لحقوق الإنسان الدورات العادية الثلاث للمجلس الدولي لحقوق الإنسان التي تنظمها سنويا في جينيف، هذا الخلاف بين منظمات المجتمع المدني في طريقة وأسلوب تسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان هو سيناريو متكرر بدأ يظهر بشكل واضح تحديدا بعد ثورة 30 يونيو في الفعاليات التي تنظم تحت مظلة الأمم المتحدة من خلال إعطاء مساحة كبيرة للتحرك لعدد من المنظمات التي تحمل توجها سياسيا ولها أجندة سياسية وعلى رأسهم هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، بالتعاون مع عدد كبير من المنظمات الحقوقية التي تنتمي لجماعة الإخوان، وهؤلاء استغلوا فيها الدعم الكبير الذي حصلوا عليه وحرية الحركة داخل أروقة الأمم المتحدة في محاولاتهم ومخططاتهم لتشويه سمعة مصر أمام المجتمع الدولي، الأمر الذي أدى إلى تحول المجلس الدولي إلى ساحة تلاسن سياسي ومنبر لبعض الدول تستخدمه لتصفية بعض الخلافات السياسية مستخدمين أهم الأدوات المتاحة وهي المنظمات الحقوقية، وهو الأمر الذي أفقد أهم منظمة دولية تتابع أوضاع حقوق الإنسان في 193 دولة جزء كبير من حياديتها ونزاهتها .
بل إن حقوقيين يؤكدون أن المؤتمر الصحفي الذى نظمته منظمته العفو الدولية لسناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، كان مخالفا لمدونة سلوك الأمم المتحدة، خاصة و أنه بعيد تماما عن قضايا المناخ والبيئة ، فضلا عن أن المؤتمر كان مليئا بالمغالطات ، كما أن وزير الخارجية، سامح شكري، رئيس الدورة الـ27 لمؤتمر تغير المناخ ، كشف أسباب إثارة قضية علاء عبد الفتاح بالتزامن مع انطلاق قمة المناخ المنعقدة حاليًا في شرم الشيخ؛ في ظل وجود الكثير من قادة ورؤساء العالم ، وقال شكري : "مصر ردت على ما يلزم بخصوص قضية علاء عبد الفتاح؛ بما يؤكد مصداقية القضاء المصري اللي فوق الشبهات؛ وأمتنع عن الخوض في هذا الأمر حتى لا يتم تشتيت الانتباه " .
وأضاف وزير الخارجية: يتم محاولة استغلال هذا الحدث لتشتيت الانتباه، والاستفادة من الزخم؛ وهو أمر لا يجب أن ننساق إليه، وعلينا أن نركز على القضية الوجودية العالمية، فنحن أعلى من ذلك، وقيمة مصر لا ينال من وجودها أحد ، وتابع سامح شكري: الأمر الذي نحن فيه مرتبط بقضية دولية؛ يجب التركيز عليه، وأي إثارة لشيء آخر يمثل إثارة وانتقاص للجهد القائم من قمة المناخ .
القاهرة وواشنطن ..علاقات استراتيجية
ضمن فعاليات قمة المناخ وعلي هامشها ، استضافت مدينة شرم الشيخ عددا من الفعاليات التي كان محورها العلاقات المصرية الأمريكية ، فالرئيس الأمريكي جو بايدن زار المدينة للمشاركة في قمة المناخ وألقي كلمة بها ، كما عقد الرئيس السيسي مباحثات مع نظيره الأمريكي تناولت تطورات العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك ، حيث قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن مصر هي "أم الدنيا" وهي أكثر مكان لانعقاد قمة المناخ كوب 27، وأتمنى من هذه الزيارة أن تصبح العلاقات أقوى من الماضي".
وقدم بايدن الشكر إلى السلطات المصرية على الوساطة والجهود المبذولة لوقف القتال في قطاع غزة.
وعن الحرب الروسية الأوكرانية، قال إن "مصر تحدثت بقوة عن الحرب في أوكرانيا وكانت الوسيط الرئيسي في غزة".
كما ثمن الرئيس بايدن قوة ومتانة العلاقات المصرية الأمريكية، مؤكداً على أن الولايات المتحدة تعتبر مصر صديقاً وحليفاً قوياً تعول عليه في المنطقة، معرباً عن التطلع لتكثيف التنسيق والتشاور المشترك حول جميع القضايا الإقليمية والدولية، وذلك في ضوء الثقل السياسي الذي تتمتع به مصر ودورها المتزن في محيطها الإقليمي، وإسهاماتها بقيادة الرئيس في تحقيق الاستقرار لكافة شعوب المنطقة.
كذلك كان هناك نشاط مكثف لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي والوفد المرافق لها ، ، والذى ضم عدداً من رؤساء اللجان المختلفة والأعضاء بمجلس النواب ، حيث استقبلها الرئيس السيسي ، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، إن "اللقاء شهد عقد جلسة منفردة مع بيلوسي أعقبتها جلسة مباحثات موسعة ضمت الوفد المرافق لها، حيث رحب الرئيس السيسي بزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي والوفد إلى مصر".
وأضاف البيان أن السيسي "أكد استراتيجية العلاقات الممتدة منذ عقود بين مصر والولايات المتحدة، وحرص مصر على تعزيز تلك العلاقات بكل جوانبها، وذلك في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، لاسيما في ظل الواقع الإقليمي المضطرب في المنطقة وما يفرزه من تحديات متصاعدة، وعلى رأسها عدم الاستقرار وخطر الإرهاب فضلا عن التداعيات السلبية على الاقتصاد وأمن الطاقة والغذاء التي سببتها العديد من الأزمات العالمية المتلاحقة وعلى رأسها جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يستدعي التكاتف لمواجهة تلك التداعيات".
وتابع البيان أن الرئيس أكد أيضا حرصه على التواصل الدائم مع قيادات الكونجرس، وذلك في إطار التنسيق والتشاور بين البلدين الصديقين إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، مستعرضا الجهود التي تبذلها مصر في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، ومؤكدا استمرار مصر في تلك الجهود لمكافحة الفكر المتطرف المحرض على العنف والدمار والتخريب وهدم الدول .
كذلك شهد اللقاء حوارا مفتوحا بين الرئيس وأعضاء الوفد الأمريكي، حيث حرص أعضاء الوفد على الاستماع إلى تقديرات الرئيس بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها جهود مكافحة الإرهاب على مدار السنوات الماضية في مصر، فضلا عن تطورات مختلف الأزمات القائمة في المنطقة وفي مقدمتها ليبيا واليمن وسوريا، وما تبذله مصر من جهود حثيثة للتوصل لتسويات سياسية لتلك القضايا، حيث أكد الرئيس أن حلها يتمحور حول إنهاء التدخل الأجنبي وتواجد الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، وذلك بالتوازي مع دعم مفهوم الدولة ومؤسساتها وحكوماتها المركزية وجيوشها الوطنية .
وذكر بيان الرئاسة المصرية أن "السيسي شرح الوضع الراهن لقضية سد النهضة، ردا على استفسارات بعض الأعضاء من الوفد، مؤكدا على الموقف الثابت من ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، وذلك لتحقيق مصلحة جميع الأطراف والحفاظ على الأمن المائي المصري".
وأضاف البيان: "كما تناول اللقاء مستجدات القضية الفلسطينية، حيث أكد الرئيس موقف مصر الثابت في هذا الخصوص بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفق المرجعيات الدولية، الأمر الذي يفتح آفاقاً للتعايش السلمي والتعاون بين جميع شعوب المنطقة".
وبحسب بيان الرئاسة : "تمت مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين في عدد من المجالات، لاسيما على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي".
كذلك أجري وزير الخارجية، سامح شكرى، رئيس مؤتمر COP27 نقاشاً مطولاً مع رئيسة مجلس النواب الامريكي نانسي بيلوسي حول موضوعات المياه وقضية سد النهضة، حيث استعرض وزير الخارجية الجهود المتعددة للدولة المصرية فى مجال الحفاظ على مواردها المائية، كما أكد على الموقف المصري الداعي للتوصل لاتفاق قانوني ملزم حول قواعد وملء وتشغيل السد يحفظ مصالح الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، مشددا على ضرورة توفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الجانب الإثيوبي للتوصل إلى الاتفاق المطلوب.
وأكد وزير الخارجية على الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين مصر والولايات المتحدة، والتعاون المتميز الذي يجمعهما فى شتى المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين ، فيما أكدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسى بيلوسى على الاهتمام الذى توليه الولايات المتحدة لعلاقتها الممتدة مع مصر وما يجمعهما من تعاون وتنسيق مشترك في إطار تعزيز الأمن الاقليمي وتحقيق الاستقرار والرخاء والتنمية.
وحرص شكري خلال الاجتماع - بحسب المتحدث باسم "الخارجية " السفير أحمد أبو زيد - على التأكيد على حرص الرئاسة المصرية لـ COP27 على الاستماع لوجهات نظر مختلف الأطراف حول الموضوعات المطروحة على أجندة المؤتمر، وتقريب وجهات النظر، موضحاً حرصه على تحقيق التوازن بين الطموحات والآمال المنشودة، وبين السياق الدولي الحالي وما يفرضه من تحديات، وذلك من أجل التوصل لنتائج قابلة للتنفيذ تعزز من عمل المناخ بمختلف جوانبه.
من جانبهم حرص أعضاء الوفد الأمريكي حرصوا على التعرف على الموقف المصري ازاء العديد من القضايا، وفى مقدمتها قضايا تغير المناخ، بما فى ذلك توفير تمويل المناخ ومعالجة الخسائر والأضرار وحماية المجتمعات الأكثر تأثراً بتغير المناخ والحفاظ على البحار والسواحل.
الشاهد أن ما شهدته العلاقات المصرية الأمريكية من توترات وادعاءات من قبل الجانب الأمريكي ، بدا من خلال فعاليات شرم الشيخ والصورة الشهيرة المتداولة لاستقبال الرئيس السيسي لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ، بدا أن القاهرة تجاوزت كل ذلك ، وأثبتت لواشنطن وغيرها محورية دورها في منطقة الشرق الأوسط ومحيطها العربي والإفريقي ، وأنها دولة لا يجوز التعامل معها ومع قيادتها إلا من خلال اعتبار أنها دولة رائدة وضاربة بجذورها في أعماق التاريخ ، كما هي ضاربة بتأثيرها في قضايا الحاضر والمستقبل في المنطقة والعالم .