«الصحة العالمية» تحيي أسبوع الرضاعة الطبيعية

تحيي منظمة الصحة العالمية الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية سنويا من 1 إلى 7 أغسطس للتشجيع على الرضاعة الطبيعية وتحسين صحة الرضع في أنحاء العالم. ويأتي الاحتفال إحياء لذكرى إعلان إينوشينتي الموقع في أغسطس 1990 من قبل واضعي السياسات الحكوميين ومنظمة الصحة العالمية (المنظمة) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمات أخرى لحماية وتشجيع ودعم الرضاعة الطبيعية.

ويأتي الاحتفال هذا العام 2019 تحت شعار "تمكين الآباء، وتمكين الرضاعة الطبيعية"، حيث يهدف إلى التركيز على دعم كلا الوالدين للتمكين أمر حيوي من أجل تحقيق أهداف الرضاعة الطبيعية.

والتمكين هو عملية تتطلب معلومات غير متحيزة تستند إلى الأدلة ودعما لخلق بيئة مواتية حيث يمكن للأمهات أن ترضعن على النحو الأمثل. إن الرضاعة الطبيعية تخص الأم وعندما يدعمها الآباء والشركاء والأسر وأماكن العمل والمجتمعات المحلية، تتحسن الرضاعة الطبيعية. ويمكننا جميعا دعم هذه العملية، لأن الرضاعة الطبيعية هي جهد جماعي. ولتمكين الرضاعة الطبيعية، نحتاج جميعا إلى حمايتها وتعزيزها ودعمها.

وتعمل منظمة الصحة العالمية هذا العام مع اليونيسف وشركائها لتعزيز أهمية السياسات الصديقة للأسرة لتمكين الرضاعة الطبيعية ومساعدة الوالدين على رعاية أطفالهم والارتباط بهم في حياتهم المبكرة، عندما يكون الأمر أكثر أهمية. ويشمل ذلك سن أجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة لا تقل عن 18 أسبوعا، وأجازة أبوة مدفوعة الأجر لتشجيع المسؤولية المشتركة لرعاية أطفالهم على قدم المساواة. وتحتاج الأمهات أيضا إلى الوصول لمكان عمل صديق للوالدين لحماية ودعم قدرتهن على مواصلة الرضاعة الطبيعية عند العودة للعمل من خلال الوصول إلى استراحات الرضاعة الطبيعية ؛ مساحة آمنة وخاصة وصحية لتخزين حليب الأم؛ ورعاية الأطفال بأسعار معقولة.

وتعزز الرضاعة الطبيعية صحة أفضل للأمهات والأطفال على حد سواء. ويمكن أن تؤدي زيادة الرضاعة الطبيعية إلى مستويات شبه عالمية من حيث إنقاذ أكثر من 800 ألف شخص كل عام، معظمهم من الأطفال دون سن 6 أشهر. كما تقلل الرضاعة الطبيعية من خطر إصابة الأمهات بسرطان الثدي وسرطان المبيض والسكري من النوع 2 وأمراض القلب. وتشير التقديرات إلى أن زيادة الرضاعة الطبيعية يمكن أن تتجنب 20 ألف وفاة كل عام بسبب سرطان الثدي. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية الحصرية التي تبدأ في غضون ساعة واحدة بعد الولادة حتى يبلغ عمر الطفل 6 أشهر، ثم ينبغي إضافة الأطعمة التكميلية المغذية مع الاستمرار في الرضاعة الطبيعية لمدة تصل إلى عامين أو أكثر.

وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إرشادات جديدة في 10 خطوات لتعزيز دعم اتباع أسلوب الرضاعة الطبيعية في المرافق الصحية المعنية بتقديم خدمات رعاية الأمهات والمواليد. فمن شأن إرضاع جميع الرضع طبيعيا خلال العامين الأولين من عمرهم أن ينقذ سنويا حياة أكثر من 820 ألف طفل دون سن الخامسة. وتوطد الخطوات العشر لرضاعة طبيعية ناجحة مبادرة "المستشفيات الصديقة للرضع" التي أطلقتها كلتا المنظمتين عام 1991. وتشجع هذه الإرشادات العملية الأمهات الحديثات العهد بالأمومة على إرضاع مواليدهن طبيعيا وتطلع العاملين الصحيين على أفضل سبل دعم ممارسة الرضاعة الطبيعية.

والرضاعة الطبيعية مسألة حيوية لصحة الطفل مدى حياته، كما أنها تخفض تكاليف الرعاية بالنسبة إلى المرافق الصحية والأسر والحكومات. وإرضاع المولود طبيعيا خلال الساعة الأولى من ولادته يحميه من العدوى ويضمن بقاءه على قيد الحياة، وإرضاعه طبيعيا بصورة جزئية فحسب أو عدم إرضاعه طبيعيا على الإطلاق يجعله أكثر عرضة للوفاة جراء الإصابة بالإسهال وأنواع أخرى من العدوى. وتحسن الرضاعة الطبيعية كذلك مستوى ذكاء الطفل واستعداده الدراسي وانخراطه في الدراسة، وتقترن بارتفاع دخل الإنسان في مرحلة البلوغ. كما أنها تحد من خطر إصابة الأم بسرطان الثدي.

وقد أشارت "هنرييتا ه. فور" المديرة التنفيذية لليونيسف، إلي إن الرضاعة الطبيعية تنقذ حياة الرضيع، إذ تساعد فوائدها الصحية في الحفاظ على صحته في الأيام الأولى من ولادته، وتمتد إلى حد بعيد من مرحلة البلوغ. لكن ممارستها تستلزم الدعم والتشجيع والتوجيه، وبتنفيذ هذه الخطوات الأساسية على الوجه السليم يمكننا زيادة معدلات الإرضاع الطبيعي في العالم بدرجة كبيرة، ومنح الأطفال أفضل بداية حياتية ممكنة.

وفي السياق ذاته، أشار الدكتور "تيدروس أدهانوم غبريسوس" المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إلي أن مدى إمكانية إرضاع الطفل طبيعيا من عدمها في العديد من المستشفيات والمجتمعات المحلية حول العالم هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له، وعامل محدد لما إذا كان سينمو ليبلغ كامل قدراته أو لا.

وأضاف تيدروس، أن الغرض من المستشفيات لا ينحصر في علاج المرضى فحسب، إنما تشيد لتعزيز الحياة وضمان قدرة الناس على التمتع بموفور الصحة والعافية وعيش حياتهم بكامل قدراتهم. ولعل ضمان اعتبار الخطوات العشر لرضاعة طبيعية ناجحة معيار رعاية الأم ورضيعها أفضل منطلق لجميع البلدان، أو أكثر المنطلقات حسما في الأهمية، في سعيها إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة.

وتبين الإرشادات الجديدة الخطوات العملية التي ينبغي للبلدان اتخاذها لحماية أسلوب الرضاعة الطبيعية ودعمه وتشجيع اتباعه في المرافق المعنية بتقديم خدمات رعاية الأمهات والمواليد، إذ تشكل منهاج عمل النظم الصحية المباشر لمساعدة الأمهات على بدء ممارسة الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى من ولادة الرضع والاعتماد عليها حصرياً لمدة 6 أشهر. كما تبين ضرورة أن تعتمد المستشفيات سياسة خطية للرضاعة الطبيعية، وماهية كفاءات الموظفين اللازمة، وخدمات الرعاية السابقة للولادة واللاحقة لها، بما في ذلك دعم قدرة الأم على إرضاع مولودها طبيعيا. وتوصي الإرشادات الجديدة أيضا بالحد من استخدام بدائل لبن الأم، وإبقاء المولود مع الأم، واتباع أسلوب التغذية المستجيبة، وإطلاع الوالدين على كيفية استخدام زجاجات الرضاعة واللهايات المصاصة، وتقديم الدعم إلى الأمهات والرضع بعد خروجهم من المستشفى.

ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2018، إلي أنه قدر أن 78 مليون طفل، أو 3 من أصل كل 5 أطفال لا يرضعون من الثدي خلال الساعة الأولى بعد الولادة، مما يزيد تعرضهم لخطر الموت والمرض ويقلل احتمال استمرارهم على الرضاعة الطبيعية. ويولد معظم هؤلاء الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وحسب التقرير، فالمواليد الجدد الذين يرضعون في الساعة الأولى من حياتهم هم أكثر احتمالاً بكثير في البقاء على قيد الحياة، بينما قد يؤدي التأخير ولو لسويعات قليلة بعد الولادة إلى عواقب فتاكة. فالتلامس بين الأم والطفل والرضاعة من الثدي يعملان على تحفيز إنتاج حليب الأم، بما في ذلك إنتاج اللبأ، وهو "اللقاح الأول" للطفل وغني جدا بالعناصر المغذية والأجسام المضادة.

وجاء في التقرير أن معدلات الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة هي الأعلى في شرق وجنوب أفريقيا (65%)، والأدنى في شرق آسيا والمحيط الهاديء (32%). ففي الساعة الأولى، يتم إرضاع 9 من كل 10 أطفال يولدون في بوروندي وسريلانكا وفانواتو؛ وعلى النقيض من ذلك، فالنسبة هي 2 من 10 فقط للمواليد في أذربيجان وتشاد والجبل الأسود.

ويورد تقرير "التقاط اللحظة" الذي يحلل البيانات من 76 دولة، أنه وبرغم أهمية البدء المبكر بالرضاعة الطبيعية، فالعديد من المواليد الجدد يُتركون ينتظرون وقتا طويلا، لأسباب مختلفة منها:

1- إطعام المواليد الجدد مواد غذائية أو مشروبات، منها الحليب الصناعي: إن بعض الممارسات الشائعة، كاستحلاب اللبأ، أو قيام كبار السن بتغذية الرضيع بالعسل، أو قيام العاملين الصحيين بإعطاء المولود الجديد سائلا معينا كالماء المحلى أو حليب الأطفال الصناعي، من شأنها أن تؤخر أول اتصال حاسم للمولود الجديد مع الأم.

2- ارتفاع عدد العمليات القيصرية الاختيارية: في مصر، ازدادت نسب العمليات القيصرية بأكثر من الضعف بين 2005 و2014: من 20% إلى 52% من مجموع الولادات. وخلال نفس الفترة، تقلصت نسب البدء المبكر للرضاعة الطبيعية من 40% إلى 27%. وتشير دراسة أجريت في 51 دولة إلى أن معدلات البدء المبكر بالرضاعة أقل بشكل ملحوظ بين المواليد الجدد الذين يتم توليدهم بعملية قيصرية. ففي مصر مثلا، سمح لـ 19% فقط من الأطفال القيصريين ببدء الرضاعة الطبيعية في الساعة الأولى بعد الولادة، مقارنة بــ 39% من أطفال الولادات الطبيعية.

3- ثغرات في نوعية الرعاية المقدمة للأمهات وحديثي الولادة: وفقا للتقرير، لا يبدو أن وجود قابلة ماهرة يؤثر على معدلات الرضاعة الطبيعية المبكرة. في 58 دولة بين عامي 2005 و2017، ارتفعت نسبة الولادات في المؤسسات الصحية 18 نقطة مئوية، بينما ارتفعت معدلات البدء المبكر بالرضاعة 6 نقاط مئوية. وفي العديد من الحالات، يتم فصل الأطفال عن أمهاتهم مباشرة بعد الولادة، كما أن الإرشادات من العاملين الصحيين محدودة.

وفي صربيا، ارتفع المعدل 43 نقطة مئوية في الفترة من 2010 إلى 2014، وكان الفضل للجهود المبذولة لتحسين الرعاية بالأمهات عند الولادة.

في الوقت نفسه، كشفت دراسة حول تكلفة عدم الرضاعة الطبيعية، حيث أشارت الأدلة إلى أن الرضاعة الطبيعية لها العديد من الفوائد الصحية ورأس المال البشري والمستقبل الاقتصادي للأطفال الصغار وأمهاتهم ودولهم. فقد تم تطوير أداة تكلفة عدم الرضاعة الطبيعية الجديدة، المستندة إلى بيانات الوصول المفتوح، لمساعدة صانعي السياسات والمدافعين على الحصول على معلومات حول التكاليف البشرية والاقتصادية المقدرة لعدم الرضاعة الطبيعية على المستوى القطري والإقليمي والعالمي. وقد أظهرت نتائج التحليل باستخدام الأداة أن 379.595 ألف حالة وفاة في مرحلة الطفولة (6 إلى 59 شهرا) من الإسهال والالتهاب الرئوي كل عام يمكن أن تعزى إلى عدم الرضاعة الطبيعية وفقا للتوصيات العالمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف. كما تشير التقديرات إلى أن 956.974 ألف حالة من السمنة لدى الأطفال يمكن أن تعزى إلى عدم الرضاعة الطبيعية وفقا لتوصيات كل عام.

وبالنسبة للنساء، تشير التقديرات إلى أن الرضاعة الطبيعية لديها القدرة على منع 243.98 ألف حالة وفاة من سرطان الثدي وسرطان المبيض، وكذلك النوع الثاني من السكري كل عام. هذا المستوى من المرض والوفيات التي يمكن تجنبها يترجم إلى تكاليف علاجية للنظام الصحي العالمي تبلغ 1.1 مليار دولار أمريكي سنويا. وتقدر الخسائر الاقتصادية لوفيات الأطفال والنساء قبل الأوان بما يعادل 53.7 مليار دولار أمريكي من الأرباح المفقودة في المستقبل كل عام. بيد أن أكبر عنصر في الخسائر الاقتصادية هو الخسائر المعرفية التي تقدر بمبلغ 285.4 مليار دولار أمريكي سنويا.

وعند تجميع هذه التكاليف، يقدر إجمالي الخسائر الاقتصادية العالمية بحوالي 341.3 مليار دولار أمريكي، أو 0.70 % من إجمالي الدخل القومي العالمي.

في حين أن الهدف من الأداة هو تحديد غالبية التكاليف، فمن المحتمل أن تكون التقديرات متحفظة لأن التكاليف الاقتصادية لزيادة وقت الرعاية المنزلية (تتحملها النساء بشكل رئيسي)، وتوضح هذه الدراسة التكاليف الكبيرة لعدم الإرضاع من الثدي، والفوائد الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن تتولد عن استثمارات الحكومة وشركاء التنمية في توسيع نطاق الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز الرضاعة الطبيعية ودعمها.

يمين الصفحة
شمال الصفحة