???? ?????? ????????
وسط احتفالات العالم باليوم العالمي للمرأة الذي يحل في الثامن من مارس كل عام، تولي تونس اهتمامًا خاصًا بهذا اليوم نظرا للمكانة المتميزة التي تحظى بها المرأة التونسية كنموذج للمرأة العربية التي نجحت عبر عقود طويلة في تعزيز مكاسبها السياسية والاجتماعية، وتكريس حقوقها القانونية، وتأكيد حضورها الفاعل في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
ويزخر تاريخ تونس بنماذج عديدة للمرأة التونسية المكافحة التي لعبت دورا محوريا في بناء الدولة، من أبرزها بشيرة بن مراد التي أسست أول جمعية نسائية في تونس عام 1936، وشريفة الفياش التي شاركت في أهم المظاهرات في فترة الكفاح المسلح عامي 1952 و1958، وشريفة المسعدي أول امرأة نقابية انضمت للاتحاد العام التونسي للشغل، وجويدة جيجة أول قاضية في تونس، وتوحيدة بن الشيخ أول طبيبة في تونس والمغرب العربي.
ويتفق الخبراء على أن المكاسب القانونية للمرأة التونسية شهدت تطورًا مستمرًا على مدار عقود ساهم في تكريس حريتها وتعظيم مكاسبها على مختلف الأصعدة من خلال مجموعة من القوانين "التقدمية"، بداية من قانون الأحوال الشخصية عام 1956 الذي نص على المساواة التامة بين المرأة والرجل، وجعل منها مواطنة كاملة الحقوق والواجبات، مرورا بالتعديلات التي أُدخلت عليه عام 1993 ومنحت الحق للمرأة في تمثيل أطفالها في المحاكم ونقل جنسيتها إليهم، وصولا إلى القانون الانتخابي الذي أقر مبدأ التناصف العمودي والأفقي في القوائم الانتخابيّة، وقانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي تم المصادقة عليه عام 2017.
ونجحت المرأة التونسية في اقتحام مختلف القطاعات الحيوية والاختصاصات الرائدة وحققت تفوقا ملحوظا فيها، حيث تشارك المرأة في قطاعات التربية والتعليم والصحة بنسبة 60?، والسياحة بنسبة 75?، والصحافة 34%، والقطاع العام 55?، كما تُشكل المرأة في تونس النسبة الأكبر من الأيدي العاملة في قطاع النسيج والملابس بنسبة 90?، بينما تمثل 45? في قطاعات صناعة الأدوية والصيدلة.
وتمكنت المرأة من أن تضمن لنفسها موقعا متقدما في قطاع المال والأعمال حيث بلغ عدد سيدات الأعمال التونسيات أكثر من 18 ألف سيدة أعمال منهن 36% ينشطن في قطاع الصناعة و41 % في قطاع الخدمات و22% في القطاع التجاري.
كما تمثل المرأة 35،94 % من مجلس نواب الشعب، ما جعل تونس تُصنف في المرتبة 27 عالميا على مستوى تمثيل المرأة في البرلمان. وبلغ عدد رؤساء البلدية 68 رئيسة بلدية أي ما يعادل 19،5 % من جملة رؤساء البلديات المنتخبات خلال الانتخابات الأخيرة في مايو 2018.
ونجحت المرأة التونسية في تعزيز مكانتها دوليا في العديد من المجالات، فعلي سبيل المثال كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في فبراير الماضي تفوق المرأة التونسية على المستوى الدولي في مجال البحث العلمي والابتكار وبنسبة مرتفعة تفوق مثيلاتها في دول أوروبية متقدمة مثل فرنسا وألمانيا. كما تم اختيار ثلاث تونسيات ضمن قائمة تضم 200 امرأة فرنكفونية قيادية في مجال الصحة العالمية أعدتها منظمة “المرأة في الصحة العالمية" في ديسمبر 2018.
في هذا السياق، تقول وفاء الهنامي، صحفية ومتخصصة في شئون المرأة، إن "الرجل التونسي هو الذي ساعد المرأة في الحصول على حقوقها حيث قدم لها الدعم والمؤازرة لتصبح امرأة قوية فكريا تدافع عن حقوقها وعن وجودها الاجتماعي. ومن نماذج هؤلاء الرجال طاهر الحداد المشرع التنظيري لحقوق المرأة، والرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، نصير قضايا المرأة".
وتضيف الهنامي أنه على الرغم من هذا الحضور الرقمي الساطع للمرأة التونسية والمكاسب التي نجحت في تحقيقها على مدار عقود من الكفاح والنضال، إلا أن ذلك لا يخفي وجود العديد من النقائص والتحديات التي لاتزال تواجهها سواء على مستوى الواقع المعيشي اليومي، أو على مستوى المشاركة في الحياة السياسية وصناعة القرار.
ووفقا لأراء المتخصصين، فإن المرأة التونسية لاتزال تتعرض للعديد من الممارسات التمييزية. فمن ناحية، الحضور القوي للمرأة في سوق العمل لم ينعكس على مستوى تقلدها لمناصب عليا في الدولة حيث لا تزال معدلات مشاركة النّساء متدنية في تقلّد الحقائب الوزارية والتي تصل إلى 23،1% مقابل 76% للرّجال، فعلى سبيل المثال تضم الحكومة الحالية ثلاث وزيرات من أصل 26 حقيبة وزارية، ولم تتقلد المرأة التونسية عبر تاريخها أي من الحقائب الوزارية السيادية بل ظلت أغلب الوزارات التي تترأسها ذات طابع اجتماعي.
ووفقا لمؤشر حديث للبنك الدولي نشره ضمن دراسة حول "المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2019: عقد من الإصلاحات"، صُنفت تونس في مراتب متأخرة فيما يتعلق بالاندماج الاقتصادي للمرأة حيث حصلت على 58،75 نقطة من أصل 100 نقطة، وهو ما يعني أن النساء في تونس لا يحصلن سوى على نصف ما يتمتع به الرجال من حقوق قانونية، مما يعوق قدرتهن في الحصول على فرص عمل أو تأسيس أعمال واتخاذ قرارات اقتصادية.
من ناحية أخرى، تلعب المرأة التونسية دورا أساسيا في توفير مورد مالي للأسرة وبعضهن معيلات لأسرهن، ومع ذلك ورغم ثقل حجم مسؤوليتها داخل الأسرة وخارجها، فإنها لاتزال تعاني من أشكال للتمييز، فهناك فارق في الأجور بين الرجل والمرأة في القطاع الخاص بمعدل حوالي 24%، كما أنها تواجه صعوبات في الحصول على فرص عمل وتصل نسبة البطالة في صفوف الإناث إلى 22،7% وهو ما يعادل تقريبا ضعف النسبة عند الذكور التي تبلغ 12،5% حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
ولا يمكن الحديث عن المرأة التونسية دون التطرق إلى المرأة الريفية التي تمثل نموذجا للمرأة الكادحة التي تعول أسرتها في ظل ظروف معيشية صعبة وأوضاع تتسم بالضعف والهشاشة. ووفقا لبيانات وزارة الزراعة التونسية، فإن 1،786 مليون امرأة تعيش في الوسط الرّيفي، وهي تمثل 32% من مجموع نساء تونس، و50% من مجمل سكان المناطق الرّيفية.
وتلعب المرأة في الريف التونسي دورا استراتيجيا في توفير الأمن الغذائي وحماية المناطق الريفية من التصحّر البيئي والسكاني، كما تلعب دورا اقتصاديًا هامًا حيث يعتمد القطاع الزراعي بدرجة أولى على قوة العمل النسائية ويضم حوالي نصف مليون امرأة. وتقدر نسبة العاملات من نساء الريف التي تعول أسرهن بـ62%.
ومع ذلك، هناك خللا واضحا بين مساهمة المرأة في الريف كقوة إنتاج وكفرد فاعل ومؤثر في المجتمع، وبين ما تتمتع به في المقابل من حقوق اجتماعية ومادية. فقد أظهرت بيانات لوزارة الزراعة التونسية أن المرأة الريفية تمثل 4% فقط من مالكي الأراضي الزراعية و58% من الأيدي العاملة الزراعية. كما أنها تتقاضى أجور زهيدة تكون في الغالب نصف ما يتقاضاه الرجل من أجر يومي أو أسبوعي في نفس العمل، فضلا عن أنها تعاني من ظروف عمل قاسية تفتقر إلى أدنى شروط السلامة والصحة، ولا تنتفع بخدمات الحماية الاجتماعية التي تمكنها من العلاج في حال الإصابة في العمل أو المرض.
ونظرا للأهمية القصوى التي تحظى بها المرأة الريفية وحضورها الاقتصادي البارز بين القوى العاملة في الدولة، وضعت الحكومة التونسية خطة للنهوض بأوضاعها شملت عدة إجراءات، كان آخرها ما قرره مجلس الوزراء التونسي أمس الجمعة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث قرر إطلاق برنامج "احميني" يسمح بإمكانية إدماج نصف مليون امرأة ريفية في منظومة الحماية الاجتماعية من خلال نظام يراعي خصوصية نشاطهن وقدرتهن التمويلية، إضافة إلى الترخيص لأصحاب النقل العمومي غير المنتظم لنقل العاملات الفلاحات خارج مناطق السير المرخص بها لتوفير وسائل نقل آمنة لهؤلاء العاملات.
في ضوء ما سبق، يبدو جليا أن واقع المرأة الريفية يتعارض تماما مع نظرية تمتع المرأة التونسية بكافة حقوقها وحرياتها، وهو ما يكشف أن الواجهة التي تستخدم كثيرا للترويج لمكاسب المرأة تخفي كثيرا من النواقص. فمع الإقرار بالقوانين التقدمية التي كرست للمرأة حقوقها وفرضت حضورها في المجتمع المدني والسياسي ومكنتها من انتزاع مكاسب تشريعية غير مسبوقة غير أنها لا تعكس واقعها وتحجب العديد من الحقائق عن التمييز الذي تتعرّض له، والتحديات الصعبة والمحورية التي لازالت تواجهها وتعرقل مسيرتها النضالية.